أظهرت الصور الفضائية المنشورة لمواقع استهدفتها إسرائيل، في هجومها الأخير على إيران، مدى الأهمية الاستراتيجية لهذه المراكز والأضرار الجسيمة التي لحقت بها؛ حيث تضمنت هذه الأهداف مواقع لإنتاج الصواريخ، ومنشآت لتجميع وقودها، فضلاً عن أماكن تطوير الأسلحة النووية.
ونشرت شركة "بلانت لابز" (Planet Labs) التجارية للصور الفضائية، إلى جانب شركة أخرى مجهولة، صورًا لأماكن في إيران استهدفتها إسرائيل، وقد خضعت هذه الصور لتحليلات من قِبل خبراء عسكريين.
وكان نفذ الجيش الإسرائيلي سلسلة من الغارات الجوية، تحت اسم "أيام الرد" ضد مواقع إيرانية، بما فيها قلب العاصمة طهران، في الساعات الأولى من صباح السبت، 26 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، وبعد انتهاء العملية، تبين أن نحو 140 مقاتلة إسرائيلية شنت الهجمات على 20 موقعًا في ثلاث محافظات إيرانية على ثلاث موجات.
ولم تقدم إسرائيل بعد تفاصيل دقيقة عن المواقع المستهدفة وعددها، إلا أن الجيش الإسرائيلي أعلن أنه استهدف مصانع لإنتاج الصواريخ ومنشآت عسكرية أخرى بالقرب من طهران وغرب إيران.
وفي تصريح خاص لـ "إيران إنترناشيونال"، أفاد مصدر إسرائيلي مطلع بأن مقاتلات إف-35 الإسرائيلية اخترقت لأول مرة الأجواء الإيرانية، ولم تعترف السلطات الإيرانية باستهداف مواقعها العسكرية ومنشآت الصواريخ، غير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، صرح، اليوم الأحد، بأن "إسرائيل استهدفت بدقة القدرة الصاروخية الإيرانية"، مؤكدًا تحقيق أهداف الهجوم بالكامل.
وبحسب تقرير لوكالة "أسوشيتد برس" استنادًا إلى صور "بلانت لابز" الفضائية، ظهرت حقول محترقة قرب موقع إنتاج الغاز الطبيعي في "تنك بيجار" بمحافظة إيلام، يوم أمس السبت، وعلى الرغم من عدم التأكد من ارتباط ذلك بالهجوم الإسرائيلي، فإن الصور الفضائية المنشورة تظهر أضرارًا واضحة في موقعي "بارتشين" و"خجير"، قرب طهران.
موقع طالقان النووي لإنتاج محركات الصواريخ
تظهر الصور الفضائية التجارية تدمير منشآت نووية في "طالقان"، الواقعة على بعد 15 كيلو مترًا من سد "جاجرود"، بالإضافة إلى ثلاثة مبانٍ مرتبطة بإنتاج محركات الصواريخ.
وأشار تقرير صادر عن منظمة "إيران بريفينغ" الحقوقية غير الربحية، يوم الأحد، إلى أن منشأة طالقان النووية تعتبر موقعًا استراتيجيًا ضمن مشروع "آماد" السري الإيراني، الذي يهدف إلى تطوير أسلحة نووية، وكان يركز على تقنيات التفجيرات متعددة المراحل في أوائل ثمانينيات القرن العشرين.
ووفقًا لتحليل "إيران بريفينغ"، يُعد موقع طالقان أيضًا موقعًا لاختبار رؤوس حربية تحمل قنابل نووية، وأكد المفتش السابق للأمم المتحدة ورئيس معهد العلوم والأمن الدولي، ديفيد أولبرايت، أن إسرائيل استهدفت منشأة "طالقان 2" في موقع "بارتشين" ضمن الهجمات الأخيرة.
وأفادت وكالات استخبارات أميركية والوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن إيران أوقفت برنامج "آماد" عام 2003، فيما تستمر طهران في إنكار أي نية لتطوير أسلحة نووية. لكن تقريرًا صدر يوم 14 سبتمبر (أيلول) عن معهد العلوم والأمن الدولي، نقلاً عن مصادر استخباراتية غربية، أشار إلى تصاعد النشاط في موقعين سابقين لبرنامج "آماد" على مدى عام ونصف العام.
وفي منشور له على منصة "إكس"، أشار أولبرايت إلى أن طهران كانت تحتفظ بمعدات مختبرية مهمة في "طالقان 2"، كما أضاف أنه من المحتمل أن تكون طهران قد أزالت بعض المواد الأساسية قبل الهجوم الجوي، وأنه حتى لو لم يبقَ أي معدات داخل الموقع، فإن المبنى لا يزال يحمل "قيمة جوهرية" للأبحاث المستقبلية المرتبطة بالأسلحة النووية.
"بارتشين" و"خجير".. مراكز تجميع وقود الصواريخ الباليستية
بحسب الصور الفضائية، التي حصلت عليها وكالة "رويترز"، فقد استهدفت إسرائيل ثلاثة مواقع في مجمع "بارتشين" العسكري الكبير قرب طهران؛ حيث يتم تجميع وقود صواريخ باليستية صلبة. كما أفاد الباحث في مركز أبحاث القوات البحرية الأميركية، ديكر أولث، بأن الهجوم الإسرائيلي دمر ثلاثة مبانٍ لتجميع وقود الصواريخ الباليستية ومنشأة تخزين في "بارتشين".
وأشار أولث أيضًا إلى تدمير مبنيين في مجمع "خجير" قرب طهران؛ حيث يتم تجميع الوقود الصلب للصواريخ الباليستية. ووفقًا لتقرير "رويترز"، فقد كانت المباني المستهدفة محاطة بحواجز ترابية عالية لمنع انتقال الانفجارات إلى المباني المجاورة، في إشارة إلى ارتباطها بإنتاج الصواريخ.
وأفاد تقرير "أسوشيتد برس" عن صور مجمع "خجير"، بأنه كانت هناك شبكة أنفاق تحت الأرض ومنشآت لإنتاج الصواريخ. وأوضح أولث أن إسرائيل استهدفت مباني تحتوي على معدات لتجميع الوقود الصلب، مؤكدًا أن تلك المعدات باهظة التكلفة واستبدالها قد يكون تحديًا كبيرًا لإيران. وأشار إلى أن الهجوم أدى إلى إعاقة القدرة الإنتاجية الصاروخية الإيرانية بشكل كبير.
ونقل موقع "أكسيوس"، يوم السبت، عن مصادر إسرائيلية مجهولة أن إسرائيل دمرت 12 "مُخلطًا كوكبيًا" تستخدمها إيران لتجميع وقود صواريخ باليستية طويلة المدى، مما أضعف بشدة قدرة طهران على تجديد مخزوناتها الصاروخية، وقد يمنعها من شن هجمات صاروخية واسعة ضد إسرائيل في المستقبل.
أهداف إضافية وأضرار محدودة
انتشرت فيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي من قِبل المواطنين الإيرانيين تُظهر تدمير عدة منشآت عسكرية، ومن بينها "شمس آباد" قرب طهران. وتداولت تقارير عن تدمير منشآت مرتبطة بشركة "تایکو" التابعة لمؤسسة "جهاد البحوث" الإيرانية، بينما أشارت تقارير غير مؤكدة إلى استهداف أنظمة الدفاع الجوي، جنوب طهران.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مسؤول إسرائيلي أن إيران كانت تمتلك أربع منظومات دفاع جوي متطورة من طراز "إس-300"، دُمرت جميعها في الهجوم الإسرائيلي.
وفي بيان صدر عن هيئة الأركان الإيرانية، يوم السبت، أعلنت أن صواريخ بعيدة المدى من طراز خفيف ضربت بعض الرادارات الحدودية في محافظتي إيلام وخوزستان وحول العاصمة طهران، مع تأكيدها اعتراض "عدد كبير" من الصواريخ، واصفة الأضرار بالـ "محدودة".
وتأتي هذه الهجمات الإسرائيلية ردًا على إطلاق إيران لأكثر من 200 صاروخ باليستي نحو إسرائيل في الأول من أكتوبر الجاري.