أفادت تقارير حصلت عليها قناة "إيران إنترناشيونال"، بأن ثلاثة أحزاب كردية معارضة للنظام الإيراني، تُعرف باسم "كومله"، أخلت معسكراتها في منطقة زركويز قرب محافظة السليمانية، شرق إقليم كردستان العراق، قرب الحدود مع إيران، يوم الخميس، 5 سبتمبر (أيلول) الجاري.
وجاء ذلك بعد الضغوط، التي مارستها الجمهورية الإسلامية على حكومة إقليم كردستان العراق والحكومة المركزية في بغداد، لعدة أشهر.
وتشير التقارير إلى أن معسكرات هذه الأحزاب نُقلت إلى منطقة سورداش، بالقرب من مدينة دوكان، التابعة لمحافظة السليمانية، ورغم أن الموقع الجديد أقرب إلى الحدود الإيرانية، فإن التضاريس الجغرافية تجعل من الصعب على قوات هذه الأحزاب الدخول إلى الأراضي الإيرانية.
وصرح أحد قادة هذه الأحزاب لـ "إيران إنترناشيونال"، بأن النظام الإيراني يضغط منذ فترة طويلة لنزع سلاح الفصائل العسكرية التابعة لهذه الأحزاب الكردية الإيرانية الموجودة في إقليم كردستان العراق، وأوضح أن عملية النقل هذه "في الواقع تمنع نقل وتخزين الأسلحة، لا سيما الأسلحة الثقيلة وشبه الثقيلة التابعة لقوات البيشمركة الكردية".
وأضاف المصدر أن هذا النقل يبعث "رسالة واضحة من النظام الإيراني إلى هذه الأحزاب والفصائل المعارضة بأنها ستسلبها القدرة على النشاط، وأنها تستطيع اتخاذ أي إجراء ضدها".
وزعمت إحدى الوكالات الإخبارية التابعة لوزارة الاستخبارات الإيرانية، في وقت سابق، أن هذه الأحزاب قامت في الأيام الأخيرة بتفريغ مستودعات أسلحتها ونقلها إلى مواقع غير معروفة.
وبدأت الأحزاب الثلاثة المعنية، التي تحمل اسم "كومله"، نقل معسكراتها يوم أمس، الخميس 5 سبتمبر.
وكانت هذه الأحزاب قد أقامت معسكراتها بالقرب من بعضها البعض في مناطق: بانه كورة، وزركويز، وزركويزله، والآن تم نقلها جميعًا إلى منطقة سورداش.
ووفقًا لمصدر مقرب من هذه الأحزاب تحدث إلى "إيران إنترناشيونال"، بشرط عدم الكشف عن هويته، فإن منطقة سورداش كانت قد استُخدمت سابقًا كمخيم للاجئين، الذين فروا من حرب "داعش" في منطقة مخمور (مدينة عراقية ومركز قضاء في محافظة نينوى شمال العراق)، والآن تم تخصيص هذا المخيم للأحزاب الكردية.
وبعد مفاوضات مكثفة استمرت عدة أشهر، وافقت جميع أحزاب "كومله" على الانتقال إلى المخيم في سورداش. ومع ذلك، أكد المصدر أن المخيم، الذي يتكون من وحدات سكنية جاهزة، لا يوفر الظروف المعيشية الملائمة لأعضاء الأحزاب وعائلاتهم.
وكان قد تم اقتراح موقع آخر بالقرب من بلدة عربت، على الطريق بين بنجوين والسليمانية، إلا أن الأحزاب رفضت هذا الموقع؛ لأنه كان سيضعها في موقع أكثر ضعفًا وأقرب إلى الحدود الإيرانية.
وفي وقت سابق، التقى قادة هذه الأحزاب نائب رئيس وزراء إقليم كردستان العراق وشقيق الأمين العام الحالي لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، قُبَاد طالباني.
ووفقًا لمصدر "إيران إنترناشيونال"، أبلغ طالباني قادة هذه الأحزاب أن الضغوط الإيرانية على حكومة الإقليم، خاصة على حزب الاتحاد الوطني، أصبحت كبيرة للغاية، وأن الحكومة لا تستطيع مواجهة إيران بسبب قدراتها العسكرية ونفوذها في العراق، ولهذا يجب تنفيذ عملية النقل.
وأفادت التقارير بأن الضغوط لإخلاء معسكرات هذه الأحزاب قد تصاعدت في الشهر الماضي؛ حيث زار وفد من الحكومة المركزية العراقية قادة هذه الأحزاب، وحذرهم من أنه في حال رفضهم للإخلاء، فإن الحكومة المركزية ستتخذ إجراءات قسرية بمساعدة قوات الحشد الشعبي.
وفي الأسبوع الماضي، التقت قوات أمن إقليم كردستان قادة هذه الأحزاب لتحديد موعد نهائي للإخلاء، وحددوا يوم الخميس 5 سبتمبر الجاري كبداية لعملية النقل. وقال مصدر لـ "إيران إنترناشيونال" إن المعسكرات في زركويز وبانه كورة وزركويزلة يجب أن تُخلى بالكامل بحلول نهاية الشهر الجاري.
من القصف الصاروخي إلى الاتفاق الأمني
استمرت الضغوط الإيرانية لنزع سلاح الفصائل العسكرية للأحزاب الكردية الإيرانية في إقليم كردستان العراق وإخلاء معسكراتها على مدى السنوات الماضية، ولكن هذه الضغوط تصاعدت مع اندلاع الاحتجاجات الثورية في عام 2022، وبلغت ذروتها مع قصف الحرس الثوري الإيراني مقرات هذه الأحزاب بالصواريخ والطائرات المُسيّرة.
واستهدف الحرس الثوري الإيراني معسكرات هذه الأحزاب بالصواريخ والطائرات المُسيّرة، مما أسفر عن مقتل 17 شخصًا وإصابة أكثر من 50 آخرين، وذلك إثر هجوم شنه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022.
كما شنّ الحرس الثوري الإيراني هجومًا صاروخيًا آخر، في 14 نوفمبر 2022، على معسكرات الأحزاب الكردية في إقليم كردستان العراق، وذلك للمرة الثالثة على الأقل. ووفقًا لوزير الصحة في إقليم كردستان، سامان برزنجی، فقد أسفر الهجوم عن مقتل شخص واحد وإصابة ثمانية آخرين.
وبعد ذلك قام الحرس الثوري بتنفيذ هجوم صاروخي وجوي آخر، في 21 نوفمبر 2022، على مواقع الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني؛ حيث أصابت ثلاثة صواريخ مواقع حزبية، من بينها مستشفى تابع للحزب في منطقة كويه سنجق بإقليم كردستان العراق، ما أسفر عن وقوع قتلى وجرحى.
وأبلغ عبدالله مهتدي، الأمين العام لحزب "كومله" الكردستاني الإيراني، قناة "إيران إنترناشيونال"، أن الطائرات المُسيّرة التابعة للحرس الثوري استهدفت أيضًا مواقع حزب "كومله" في منطقة "زركویز"، لكن الحادث لم يسفر عن وقوع خسائر بشرية.
في 19 مارس (آذار) 2023، أعلنت السلطات الإيرانية توقيع اتفاقية "تعاون أمني مشترك" بين إيران والعراق، وذلك خلال زيارة علي شمخاني، أمين مجلس الأمن القومي الإيراني آنذاك، إلى بغداد. وألزمت الاتفاقية العراق بمنع نشاط الأحزاب الكردية الإيرانية في إقليم كردستان، وهددت إيران باتخاذ إجراءات عسكرية إذا لم يتم تنفيذ بنود الاتفاق.
وهدد ناصر كنعاني، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، في 28 أغسطس (آب) 2023، الحكومة العراقية بأن إيران ستتخذ إجراءاتها الخاصة، إذا لم يتم نزع سلاح الأحزاب الكردية الإيرانية في إقليم كردستان بحلول 28 سبتمبر من العام نفسه، وأكد أن هذه المهلة لن تُمدد بأي شكل من الأشكال.
ومع استمرار التهديدات الإيرانية، أعلن وزير الخارجية العراقي، خلال زيارة إلى طهران، في 13 سبتمبر 2023، أن الأحزاب الكردية ستُنقل إلى مخيمات اللاجئين، التي تخضع لإشراف الأمم المتحدة.
وفي 1 مارس 2024، أفادت شبكة "روداو"، نقلاً عن مصدر في وزارة الداخلية العراقية، أن الحكومة العراقية قررت إلغاء جواز سفر مصطفى هجري، المسؤول التنفيذي في حزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني.
وجاء هذا القرار بعد اجتماع اللجنة الأمنية المشتركة بين العراق وإيران، وتم الاتفاق على إلغاء جوازات سفر 76 شخصًا آخرين من قيادات الأحزاب الكردية الإيرانية.